مرحبًًا وأهلًا بكم في مدونة زهرة الوتس. نحن اليوم نعيش في عالم مليئ بالتوتر والقلق والأجواء الحافلة بشكل مستمر ومرهق وغالبًا ما نهمل أنفسنا وحاجتنا إلى الراحة والإسترخاء. ومنذ أن كانت الموسيقى منذ الأزل الفن الذي يعبر الإنسان من خلاله عما في قلبه ليستكين ، كأنها تلعب بعواطفه فتارةً تثورغاضبة واثقة وطورًا تخبو خجلة مستسلمة حتى يعم الصمت أخيرًا كذلك تعم الراحة في قلب المستمع. ومنذ أن نُشرت العديد من الدراسات العلمية العالمية حول تأثير الموسيقى على نفسية الإنسان بحيث تبثه على الإسترخاء. إخترت لكم 9 مقطوعات كمان كلاسيكية ،(أو عزفت من قبل الكمان) المفضلة بالنسبة لي، والمكتوبة من قبل أعرق المؤلفين في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية. يمكنكم الإستماع إليها قبل النوم، عند الصباح، خلال المواعيد الرومانسية أو ببساطة كلما إحتجتم للقليل من التأثر بالإضافة إلى السكينة والسلام الداخلي. كذلك أرفقت إلى كل مقطوعة موسيقية قصتها المؤثرة وما تحاول التعبيرعنه فحتى لو كنتم قد سمعتم بعضًا من الموسيقى المرشحة أدناه، أنصحكم بإعادة سماعها بعد قراءة قصتها فلن تكون هي ذاتها . أتمنى لكم قراءة ممتعة ولحظات مسالمة !
تأمل” من “ثايس” جولز ماسينيت”
القصة
إن قطعة “تأمل” للكمان هي جزء من أوبيرا “ثايس” للؤلف الموسيقي الفرنسي جولز ماسينيت عرضت لأول مرة سنة 1894 المبنية على رواية من تأليف الأديب أنطوان فرانس وتحمل العنوان نفسه. وتدور أحداث الأوبرا في مصر قديمًا عندما حكمتها الإمبراطورية الرومانية بحيث يسعى راهب “أثانيال”، إلى إقناع محظية اسكندرية “ثايس”، للتخلي عن حياتها المادية والمليئة بالشهوة وعبادة الله من خلال المسيحية. وبعد سماع “ثايس” مقطوعة “التأمل” التي تعكس تأملات روحية وعاطفية عميقة و تعبر عن لحظات من الهدوء والتفكر، حيث يجسد الأداء الموسيقي مشاعر من التأمل والصفاء الداخلي. تقرر بالفعل التخلي عن حياتها السابقة وتتبع أثانيال إلى دير قرب الصحراء. ولكن فيما بعد، يكتشف الراهب أن هوسه بها كان بدافع الشهوة فتكشف القصة عن نقاء قلب ثايس” وطبيعة الراهب الحقيقية”.
لحن”- غلوك”
القصة
كتب المؤلف الموسيقي الألماني كريستوف فيليبالد غلوك قطعة “ميلودي” أي لحن سنة 1774 وكانت مبنية على أوبرا “أورفيوس وإيوريديس” التي عرض لأول مرة سنة 1762. إن قصة الأوبرا مأخوذة من الأسطورة الإغريقية بذات الاسم بحيث كان لدى “أورفيوس” قدرة سحرية وخارقة تؤثر على الطبيعة والحياة والموت من خلال عزفه على قيثارته. وكان لأورفيوس زوجة اسمها “إيوريديس” المعروفة بجمالها الساحر وأحب الزوجان بعضهما كثيرًا. وذات يوم لدغت أفعى “إيوريديس” وأخذت حياتها. ما جعل زوجها العازف يخوض مغامرة شاقة في رحلته إلى العالم السفلي وإقناع إله الموت “هايدس” وزوجته بتحرير “إيوريديس” وإعادتها للحياة . ووافق إله الموت على طلب العاشق بعد عزفه أجمل الألحان تعبيرًا عن حبه وولعه بمحبوبته تحت شرط بألا ينظر إلى “إيوريديس” خلفه إلى أن يخرجا من العالم السفلي وإلا ضاعت زوجته فيه إلى الأبد. وحين تبقى “لأوفوريوس” خطوة واحدة للوصول إلى النور، غلبته رغبته بالنظر إلى زوجته خلفه فسقطت في الجحيم إلى الأبد.وأخيرًا تعلم “أورفيوس” أن يعيش برفقة ذكرى محبوبته الجميلة. فكانت مقطوعة “ميلودي” ما هي إلا تعبيرًا عن مشاعر الومانسية والعاطفة العميقة خارج سياق الأوبرا.
البجعة – سانت ساينز
https://www.youtube.com/watch?v=YiameXilo6k
القصة
نشرت مقطوعة “البجعة” للمؤلف الموسيقي الفرنسي كميل سانت ساينز سنة 1887 وهي القطعة الثالثة عشر من أصل أربعة عشر مقطوعة تشكل “كرنفال الحيوانات” التي بدأ سانت ساينز بكتابتها سنة 1885. في الحقيقة كتب المؤلف الفرنسي “كرنفال الحيوانات” للمتعة البحثة ولم يقبل أن ينشرها فيما هو على قيد الحياة خوفًا من أن يهاجم النقاد صورته الجادة في التأليف. لكنه قد قبل باستثناء واحد وهي قطة “البجعة” المكتوبة لآلة التشيلو وآلتي بيانو ولكنها وزعت على آلات مختلفة فيما بعد منها الكمان . تعبر المقطوعة ذات اللمسة الإنطباعية عن لحظات من الهدوء والتأمل، حيث تنقل إحساسًا بالسلام والرقي. تقدم القطعة صورة حيوية للشعور بالخفة والنعومة، وتُبرز روعة ورشاقة طيور البجع في الماء. فلا عجب بالأساطير اليونانية القديمة – على الرغم من أنها خاطئة – التي تقول أن البجعة الصامتة (نوع من البجع) تظل صامتة حتى اللحظات الأخيرة من حياتها حيث تغني خلالها أجمل أغاني الطيور.
ضوء القمر”- ديبوسي”
القصة
ألف الموسيقي الفرنسي كلود ديبوسي واحدة من أهم مقطوعاته “كلير دي لون ” للبيانو – سنة1890 وعدلت سنة 1905- بعد أن ألهم بقصيدة تحمل العنوان ذاته كتبها بول فيرلين في مجموعته بعنوان” مهرجانات جالانتري ” والتي بدورها مبينية على لوحات الفنان الفرنسي جان -أنطوان واتو. كان كلًا من ديبوسي وفيرلين وواتو فنانين متأثرين بالرمزية وهي كانت حركة تسعى لتجاوز الظاهر والبحث عن المعاني الخفية. بحيث أن في هذه الحركة، يُنظر إلى كل شيء على أنه رمز لشيء آخر، ويتطلب فهمه ربطًا غير مباشر عبر العقل الباطن. فرسم واتو حياة البلاط والحب بأسلوب أنيق وحساس في أجواء ريفية مثالية. الشخصيات في لوحات واتو غالبًا ما تكون مرتدية أزياء تنكرية لشخصيات كوميدية مثل هارليكين وبيرو وكولومبين. وهكذا وصف فيرلين بقصيدته مشهدًا مليئًا بالشخصيات المتنكرة التي تعزف على العود وترقص تحت ضوء القمر، وكأنهم يشعرون بالحزن تحت أقنعتهم. هذا المشهد يترافق مع الموسيقى الحزينة والجميلة التي تعبر عن انتصارات الحياة والحب، في الوقت الذي يفتقر فيه هؤلاء الأشخاص إلى الإيمان الحقيقي بسعادتهم الخاصة. يمتزج الصوت مع ضوء القمر، وتعيش الطيور والأشجار والنوافير في حالة من الحلم والتأمل، مما يضيف طابعًا دراميًا وجماليًا للمشهد. وأخيرًا كتب ديبوسي مقطوعته الموسيقية لخلق أجواء حالمة وتعبيرية تعكس الجوانب العاطفية والرمزية التي كانت محورية في الفن والأدب في تلك الفترة.
أحلام الحب “- ليست”
القصة
نشرالموسيقي الهنغاري وعازف البيانو العظيم فرانز ليسزت مقطوعة “ليبستروم” أي أحلام الحب للبيانو سنة1850 التي كتبها بأسلوبه الرومانسي الخاص والمبنية على قصائد الشاعرين الإلمانيين لودفيج أوهلاند وفرديناند فريليجرات. تقسم المقطوعة إلى ثلاثة أقسام أولها المحبة السامية:هي المحبة المقدسة أو الدينية، ثم الحب المثير القائم على الشهوة وأخيرًا الحب الناضج الصافي والخالد. وكان القسم الثالث الأكثر شهرةً يعبر عن قصيدة ” أوه أحب طالما يمكنك” وهي الأطول بين القصائد الثلاث فذكر موقع هونيساكلوكز التالي
يتعلق الأمر بالاعتزاز بكل لحظة تقضيها مع من تحب لأنه في يوم من الأيام سوف يرحل. إنها بضمير المخاطب، لذا فهي تخاطب القارئ مباشرة، وتتعلق بتجارب المتحدث مع الحب بقدر ما تتعلق بتجارب القارئ.
إذًا موسيقى الجزء الثالث تعبر عن مشاعر الحب الرومانسية وتأخذ المستمع في رحلة حالمة مليئة بالعاطفة والرومانسية، مع نغمات حساسة وجياشة تعكس الحنين والحب العميق.
لاكريموسا”- موزارت”
القصة
إقرأ القصة وراء مقطوعة “لاكريموسا” للؤلف النمساوي فولفغانغ أماديوس موزارت هنا.
سوناتا “ضوء القمر” – بيتهوفن
القصة
كتبت “موونلايت سوناتا” من قبل المؤلف الألماني لوودوينغ فان بيتهوفن بين سنتي 1801 و1802 في عصر الموسيقى الكلاسيكية . ألف بيتهوفن المقطوعة للآلة البيانو حين كان يبلغ الثلاثين من العمر وعندما بدأ سمعه بالزوال لأسباب غامضة لم تعرف حتى الآن. وأهداها إلى محبوبته وتلميذته جولييتا جويتشياردي التي طلب منها الزواج ولكن فطر قلبه بعد أن تم رفضه من قبل والدها لكونه بلا ألقاب نبيلة . لم تكن تعرف السوناتا باسم “موونلايت” أي ضوء القمر عندها بل أطلق عليها هذا الاسم بعد وفاة بيتهوفن بخمس سنوات أي سنة 1832. لاقت السوناتة شهرةً في حين كان بيتهوفن على قيد الحياة وكان الأمر قد سبب له خيبة أمل بسبب اعتقاده أنه ألف أجمل بكثير من المقطوعات. أخيرًا لا تزال السوناتا ترمز للحب والعاطفة حتى اليوم ووزعت على آلات مختلفة غير البيانو منها الكمان.
ثلاث رومانسيات – كلارا شومان
القصة
كلارا شومان – مؤلفة موسيقى ألمانية- كانت أهم المؤلفات للموسيقى الكلاسيكية في التاريخ وخاصة في زمنها حين كان التأليف الموسيقي من عمل الرجال فقط. لم تكن كلارا مؤلفة موهوبة فحسب بل كانت تعزف على البيانو ببراعة وتزوجت حين بلغت 21 سنة من العمر من المؤلف الموسيقي الشهير روبرت شومان الذي ترك تخصصه بالمحاماة ودرس الموسيقى بعد أن ألهم بموهبتها. وكان الزوجان من أهم الموسيقيين في فيينا في العصر الرومانسي للموسيقى . كتبت كلارا مقطوعتها “رومانسيات ثلاث ” للبيانو والكمان بين عامي 1952 و 1953 خلال وجود زوجها في مصحة الأمراض العقلية بعد أن حاول إنهاء حياته . وفي تلك المرحلة من حياتها كانت على مقربة من صديق الزوجين شومان المؤلف الموسيقي يوهانس برامز الذي أحب كلارا بشغف إلا أنها لم تبادله الحب -ظاهريًا على الأقل-. ولكن لا شك من أن هذه المقطوعة كانت تعبر عن مشاعر كلارا وحياتها الرومانسية التي تأثرت بمثلث الحب الأعظم في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية. كانت قطعة”رومانسيات ثلاث” التي تعكس جمالية الروح الرومانسية في الموسيقى من آخر الأعمال التي كتبتها كلارا شومان. فبعد أن توفي زوجها في المصح سنة 1956 ، تخلت كلارا شومان عن التأليف مقتنعة للأسف بأنها مهنة لا تناسب المرأة لكنها استمرت بتأدية أعمال زوجها الراحل وبقيا هي وبراهمس أصدقاء إلى آخر حياتهما.
تهويدة – برامز
https://www.youtube.com/watch?v=EmqJwzvBVx4
القصة
لقد تكلمنا في المقطع الفائت عن المؤلف الألماني يوهانس برامز الذي أحب كلارا شومان على الرغم من أنه لم يقدم على طلبها للزواج، فترك اسفاره معها وعاد إلى فيينا في سن الخامسة والعشرين حيث وقع بحب المغنية وعازفة البيانو بيرتا فابر. غالبًا ما كانا يتنزهان معًا وتغني بيرتا مقطوعة “ناني” أي مرثية المكتوبة من قبل براهمز. وما أن بدأت الجدية تطرأ على علاقتهما، هرب برامز مرة أخرى وانفصل عن بيرتا بالرغم من أنها كانت حب حياته إلا أن شخصية برامز المتأثرة بعلاقة والديه لطالما كانت حاجزًا في علاقاته الرومانسية. في تلك الفترة بعد انفصاله عن بيرتا عانى المؤلف من شحيح في مؤلفاته وبعد أن التقى بحب حياته مرة أخرى بعد 10 سنوات، كانت بيرتا قد تزوجت ولديها ابن وآخر على الطريق. لم يجد براهمز منفذًا للتعبير عن قلبه المفطور سوى الموسيقى فكتب مقطوعة “لولابي” سنة 1868 وأهداها إلى طفل بيرتا الثاني. وعلى الرغم من أن “لولابي” تعني “تهويدة” وهي أغنية هادئة تُغنى للأطفال لمساعدتهم على النوم. إلا أنها كانت تحمل أيضًا رسالة حب مخفية لحب حياته الغير منسى فأخفى بين ألحانها أغنية”ناني” التي كانت تغنيها له بيرتا. تعكس مقطوعة “تهويدة ” شعوراً عميقاً من الحنان والهدوء، تُعبر الأغنية عن الحب والرعاية والطمأنينة التي يُعطيها الوالدان لطفلهما.
وها قد وصلنا إلى نهاية المقال شكرًا على القراءة .إن أعجبك المقال لا تنسى مشاركته مع أصدقائك. أكتبوا لنا بالتعليقات المقطوعة الكلاسيكية المفضلة لديكم . كذلك أكتبوا لنا إن كنتم تريدون جزء ثان من لائحة للموسيقى الكلاسيكية التي تجعلكم تسترخون لدى سماعها .
إقرأ المزيد
:مراجع ومصادر
Meditation from Thais – Jules Massenet
https://www.youtube.com/watch?v=2WueAWjwjzM
Three Romances – Clara Schuman
اترك تعليقاً