ما هو معنى الحياة؟ هل هدفها العيش لمدة أطول أم إيجاد غاية أسمى؟ لماذا يعرف البعض هدفهم وشغفهم في الحياة بينما البقية يغرقون في الحيرة؟ وما هو السر لحياة طويلة وسعيدة؟
إن الأسئلة المطروحة أعلاه هي أسئلة سألناها كلنا على أنفسنا وربما لا نزال نفعل باحثين عن إيجابات مرضية لأسئلة مستعصية. وبالرغم من أن الأسئلة عامة ومطلقة فسيستغرب القارئ أن الإيجابات لهذه الأسئلة هي في الحقيقة تنبع من مصدر جواب واحد! طرح كاتبان هذه الأسئلة على نفسيهما إنما بصوت عال وقررا الغوص في رحلة للحصول على أجوبة. وبالفعل، لم يعودا خاليي الوفاض فأنتجا من أهم الكتب لتطوير الذات بعنوان إيكيغاي:السر الياباني لحياة طويلة وسعيدة. بحيث لاحظ الكاتبان أن الجزء الأكبر لأكثر معدلات الحياة إرتفاعًا في العالم هي في جزيرة أوكيناوا اليابانية. فما هو السر الذي يحمله سكان هذه الجزيرة التي شهدت أعدادًا هائلة من القتلى خلال الحرب العالمية الثانية بالإضافة إلى نقص حاد بالمواد الأساسية للعيش بعد انتهاء الحرب ؟ والآن يا عزيزي القارئ دعنا نقرأ سويا الإنجاز العظيم للكاتبين هيكتور غارسيا وفرانسيس ميراي اللذين لم يتقيدا بالجغرافيا واللغة والوقت فعرفا أهمية مسعاهما في إنجاز هذا الكتاب ومشاركته مع العالم .
نبذة عن أوكيناوا
إن كنا نريد معرفة أسرار سكان أوكيناوا لعيش حياة رغيدة والمحافظة على السعادة والصحة الجيدة بعد تجاوز المئة ، فلا بد أن نعرف المزيد عن محيطهم! وهذا ما قدمه الكاتبان خلال صفحات كتابهما بحيث درسا المنطقة جغرافيًا واجتماعيًا وفكريًا . “إن محافظة أوكيناوا هي سلسلة جزر في المحيط الهادئ وبحر شرق الصين جنوب جزيرة كيوشو. تتميز محافظة أوكيناوا بمناخ دافئ وثقافة فريدة من نوعها ووفرة في الطبيعة وهي واحدة من أفضل الوجهات السياحية في اليابان.” فطبيعة محافظة أوكيناوا لها تأثير كبير على النظام الغذائي الصحي الذي يتبعه سكانها بحيث يعتمدون على السمك كمصدر أساسي للحم . كما لاحظ الكاتبان أن سكان أوكيناوا يشعرون بترابط تام من خلال مجتمعهم الذي يعملون لخدمته . بالإضافة إلى ذلك، يستمتع السكان المحليين بكونهم اجتماعيين فيمارسون العديد من الأنشطة والاحتفالات سويًا والأمر الذي -كما سنلاحظ لاحقًا- يلعب دورًا كبيرًا بعيش السكان حياة رغيدة. وأخيرًا ، إن الديانة الأكثر انتشارًا في أوكيناوا بحسب الكتاب هي “ريوكيو شينتو“ التي تجمع تعاليم الديانات الأخرى كالشنتوية البوذية ، الطاوية، الكونفوشية والتي تمثل مصدر معتقدات الأوكيناويين في حياتهم اليومية وتنظمها.
ما هو معنى الحياة؟
الإيكيغاي
بعد العديد من المقابلات لسكان مجتمع أوكيناوا الأكبر سنًا ،يعرّف الكتاب عنوانه بأنه سبب الوجود، أي السبب الذي تستيقظ من أجله كل اليوم والذي يدعوك للخروج من فراشك وخوض يومك بحماس وحيوية. إنه شغفك بالحياة . فالعديد من الناس يدّعون بأنّهم يملكون ما يستحق الموت لأجله أما ألإيكيغاي هو العكس إنه وما يستحق العيش لأجله .فكذلك هو الفن لإبقاء نفسك مشغولًا بالقيام بما تحب وتبرع به. وبالعودة إلى سؤالنا الأساسي “ما هو معنى الحياة؟” في الحقيقة أيها القارئ ، إن الجواب عن هذا السؤال هو فريد ويرجع لكل إنسان،لذلك عليك اكتشافه بنفسك. ولكن ما يمكننا الإتفاق عليه أنه ليس هناك حياة دون هدف.
كيف تجد غايتك في الحياة؟
كيف تجد الإيكيغاي الخاص بك ؟
يمكن تعريف الإيكيغاي لفرد بأنه النقطة التي يجتمع بها العديد من العناصر وهي التالية : الشغف( ما تحبه)، الإحتراف (ما تجيده)، الرسالة (ما العالم بحاجة إليه)، المهنة (ما يمكن أن يدفع لك لإنجازه). وهذه العناصر هي التي تضمن لك بأن تزاول ما تحبه وتجيده ليساعد مجتمعك ويعتبر عملًا يمكنك جناء المال من خلال مزاولته . وهو الأمر الذي لا يزال الكثيرون اليوم لا يقتنعون به ويقولون : “زاول ما تحبه كهواية فقط”. وأثناء المقابلات التي أجراها الكاتبان مع الأوكيناويين الذين تجاوزوا عمر المئة، شارك بعضهم الإيكيغاي الخاص بهم فمنهم من يستمتعون بخدمة الغير ومساعدتهم، ومنهم من يستمتعون بالزراعة أو بالفن وغيرها من النشاطات. حسنًا هذه العناصر التي ذكرناها سابقًا هي مطلقة وعامة فكيف يمكننا إيجاد الإيكيغاي الخاص بنا من خلال خطوات عملية؟ لذلك، أراد الكاتبان إلقاء الضوء على مفهوم مهم سيقودنا لإيجاد الإيكيغاي الخاص بنا وهو :التدفق.
الذهاب مع التدفق
يصف الكتاب عملية الذهاب مع التدفق بأنها الحالة التي تُشعرك بانغماس وانسجام تام بالتجربة التي تقوم بها بحيث تكون في قمة التركيز دون التفكير أو التشتت بشئ آخر. فتذوب الأنا الخاصة بك وتصبح واحدًا مع ما تقوم به. فجميعنا نمتلك بعض النشاطات التي ننغمس بها أثناء ممارستها فلا نشعر بالوقت يمضي بل وكأننا موجودون في تلك اللحظة إلى الأبد وقد يكون ذلك أثناء القراءة، الرسم، عزف الموسيقى، مشاهدة فيلم… فقوة التدفق تتجلى باختبار المتعة، البهجة والإبداع عند الشّخص بالإضافة إلى تركيزه الدقيق أثناء القيام بعمل ما. ويمكن التدرب على ممارسة التدفق في حياتنا اليومية أثناء القيام بمهمامنا البسيطة ويمكن التدرب على ذلك من خلال ممارسة التأمل. أما للإجابة عن سؤال كيف يمكننا إيجاد الإيكيغاي الخاص بنا من خلال التدفق؟ هو ببساطة تجربة العديد من النشاطات التي تُمكّننا من الدخول في حالة التدفق أثناء القيام بها. فحينها، نتمكن من تحديد ما نحبه ونملك الشغف لتأديته، فنسعى للاحتراف به لمزاولته كمهنة ومساعدة مجتمعنا من خلاله. والآن إن كان يملك الإنسان ما يعيش لأجله فسيرغب بالعيش لفترة طويلة صحيح؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟
قواعد الإيكيغاي العشرة لحياة طويلة وسعيدة
أولًا: إبقى ناشطًا ولا تتقاعد
ستسغرب حين تعلم أن اليابانيين ليس لديهم كلمة “التقاعد” في لغتهم . فإن كنت تزاول العمل الذي تحبه حقًا فلن ترغب بتركه في المقام الأول! فإن تقاعدت، ستترك ما تعيش من أجله. بالإضافة إلى ذلك، ذكر الكتاب أهمية استمرارية العمل وتعلم مهارات جديدة التي تبقي عقلك نشيطًا من خلال خلق المزيد من الشبكات العصبية. فإن الجسم السليم هو في العقل السليم.
ثانيًا:لا تستعجل، على مهلك
إن الإنسان السعيد حقًا هو السعيد في الحاضر وليس من يخطط دائما لسعادته في المستقبل.فتقبل الواقع وتوقف عن الاستعجال والركض تجاه المستقبل وجد السعادة في حاضرك.إن العيش في زمن مليئ بالتطور والتكنولوجيا، يبقينا في حالة تنبه وتشتت وقلق دائمة وخاصة من رنين إشعارات الهاتف لمئات المرّات يوميًا من الأعلانات إلى الرسائل الإلكترونية وغيرها. وقد أثبثت الدراسات أن التوتر يحدث إضطرابات بليغة بجسم الإنسان ويقتله مع مرور الوقت. فتمهل وابتعد عن حالة التوتر الدائمة من خلال ممارسة التأمل
ثالثًا:لا تملأ معدتك
لدى اليابانيين عادة قديمة اسمها “هارا هاشيبو” تقتضي بالتوقف عن الأكل بعد ملء 80% من معدتهم. صحيح أنك لا يمكنك أن تعرف تحديدًا متى ملأت 80% بالمئة من معدتك لكنها ببساطة الحالة حين تشعر بالشبع ولكن لا يزال بإمكانك تناول المزيد. وغير ذلك، لدى الأوكيناويين عادات غذائية صحية أخرى كعدم تناول السكر الذي يعتبر السبب الأول للتقدم بالسن بشكلٍ أسرع، كما أنهم يتناولون الكثير من الخضار والفواكه المتنوعة يوميًّا بالإضافة إلى العديد من الأطعمة التي تؤخر من التقدم بالسن (كالتوفو،والميسو…). كما أنهم يتناولون طعامهم في صحون صغيرة فيشعرون بالشبع عند الانتهاء من أكلها دون أن يتخموا أنفسهم. فاكتسب بعض العادات الصحية الغذائية لعمر مديد.
رابعًا:أحط نفسك بأصدقاء جيدين
كما ذكرنا سابقًا، تحتل العلاقات الاجتماعية الجيدة مكانة كبيرة في حياة الأوكيناويين الأكبر سنًّا فيمارسون العديد من النشاطات سويًا كالاحتفال بأعياد الميلاد، الذهاب إلى الكاريوكي،حضور صفوف الرقص، شرب الشاي سويًا… لذلك ما عليك فعله هو الخروج من منطقة راحتك والتعرف على العديد من الناس ومساعدتهم إن أمكن ما يجلب لك الشعور بالرضى .
خامسًا:تحرك باستمرار
بالرغم من أنهم قد تجاوزوا المئة، يستمر السكان الأوكيناويين الأكبر سنًا بالتمتع بحركة جيدة ، فجميعهم تقريبًا يتشاركون بهواية الزراعة التي تبقهم بانشغال وحركة دائمة. بالإضافة إلى ذلك فإنّ أغلبهم يمارسون العديد من التمارين الرياضية التي انتشرت عبر السنين في اليابان مثل الراديو تايسو، اليوغا، التاي تشي و الكيكونغ. بحيث أن جميع هذه التمارين تعتبر سهلة لممارستها وتهدف لتطوير الذات والانسجام مع الطبيعة الإنسانية والوقاية من الكآبة و تنشيط الدورة الدموية في الجسم بالإضافة إلى العديد من الفوائد الصحية غير إفراز هرمونات السعادة لدى ممارسة الرياضة .
سادسًا:إبتسم
إن الشخصية الإيجابية والمرحة لا تبعث فقط على الاسترخاء، بل أنها تساهم في صنع الأصدقاء. توقف عن تعظيم ما يواجهك بالحياة وركز على المهم أي الإيكيغاي بدلًا من الطارئ . ودائمًا تذكر بالاحتمالات الجيدة اللانهائية لتطوير نفسك .
سابعًا:أعد الاتصال مع الطبيعة
لربما من أسباب اهتمام الأوكيناويين الشديد بالطبيعة هو اعتقادهم بوجود الأرواح في بعض من عناصرها .و أن الآلهة يحبون ويباركون من يعتنون بالطبيعة. عليك أن تشحن طاقتك من الطبيعة التي يشكل الإنسان جزءً منها باستمرار على الرغم من إنشغالك في حياتك اليومية.
ثامنًا: استمر بالشكر
اشعر بالامتنان للحظة التي تعيش بها وللناس الذين تحبهم وللطبيعة التي تحضنك. فبالنسبة للمعتقدات البوذية والطاوية إن الإنسان الحكيم هو الذي يقدر ويستمتع الملذات دون التعلق بها فعليه دائمًا التذكر بأن كل شئ إلى زوال. إنما عليه استخدام هذه المعرفة للتعايش معها بدلًا من رفضها والسماح لها بالتسبب له بالألم. بدلًا من ذلك، عليه التركيز على الأمور التي يستطيع التحكم بها والتوقف .عن القلق حول ما لا يمكنه التحكم به. قم بذلك وستلاحظ كيف ستزداد سعادتك
تاسعًا:عش اللحظة
يمتلك اليابانييون معتقدات الوابي سابي والإتشي غو إتشي إي وهي تقوم على حب الأشياء غير المثالية في العالم الذي يحيطنا والبحث عن الجمال من خلالها. بالإضافة إلى أنها تقوم على عيش اللحظة الحاضرة والاعتزاز بها فهي لن تتكرر مرة أخرى وعدم السماح للماضي والمستقبل بتكهيل عاتق الإنسان من خلال الخوف والندم.
عاشرًا:إتبع الإيكيغاي الخاص بك
.هناك شغفًا وموهبة ، إيكيغاي داخلك وهو ما يعطي أيامك معنى فاتبعه وحافظ عليه . وإن لم تعرف ما هو بعد، فمهمتك تكمن باكتشافه
وها قد وصلنا إلى نهاية هذا المقال، أتمنى أن تكونوا قد استمعتم به. إن أحببتم الموضوع اكتبوا لنا في التعليقات للمزيد من المحتوى المماثل. بالإضافة إلى ذلك شاركنا ما هو الإيكيغاي الخاص بك في التعليقات !
مصادر ومراجع:
https://www.nippon.com/ar/guide-to-japan/pref47
إقرأ المزيد:
اترك تعليقاً