مرحبا و أهلا بكم في مدونة زهرة اللوتس في قسم أسلوب حياة. سنعرض اليوم ٦ قواعد فلسفية ذهبية لمساعدتنا في الحياة.
منذ فترة وقع بين يدي كتاب للكاتب آلان دوبوتون بعنوان عزاءات الفلسفة :كيف تساعدنا الفلسفة في الحياة وقد أخذت بمحتواه. بحيث عرض الكاتب فيه فلسفة ٦فلاسفة من ثقافات، عصور زمنية ومدارس فلسفية مختلفة وهم بحسب ترتيبهم في الكتاب: سقراط، أبيقور, سينيكا، مونتين، شوبنهاور ونيتشه. ويعزي الكاتب القارئ من خلال فلسفة هؤلاء العظماء بشأن العديد من الأمور التي خالها القارئ مستعصية في حياته. فيبدأ بتعزيتنا بشأن مخالفة الآراء السائدة، ثم بشأن الإفتقار إلى المال، بعدها بشأن الإحباط ويليها العزاء بأن العجز، ليعزينا بشأن انكسارات القلب وأخيرا بشأن المصاعب .
وقد استلهمت مقال اليوم عن ٦ قواعد ذهبية تعلمنا إياها الفلسفة لأشارككم نبذة مختصرة عما تعلمته من هذا الكتاب الرائع والذي حتما أرشحه لكم لقراءته . إستمتعوا بالقراءة!
القاعدة الأولى : لا تخف من التشكيك في الفهم السائد ومن البحث عن الحقيقة.
لاحظ الفيلسوف اليوناني سقراط (470قبل الميلاد-399 قبل الميلاد) خلال حياته في أثينا عن مدى خلط الناس والمجتمعات بين ما هو سائد وما هو حقيقي أو صحيح. فلم يجد الناس الداعي إلى التشكيك في “معرفتهم” المتناقلة في مجتمعاتهم عبر الأجيال. فهكذا كانت تضعف إرادة التشكيك الخاصة بهم ويتبعون القطيع عاجزين عن اعتبار أنفسهم روادا في اكتشاف حقائق لا تزال صعبة ومجهولة ورافضين احتمالية أن يكونوا على صواب بينما الجميع من حولهم على خطأ. وللأسف لا تزال هذه المعضلة قائمة حتى اليوم في حياتنا ومجتمعاتنا. ودعانا للبحث عن الحقيقة والتفريق بينها وبين الحكم السائد من خلال منهج تفكير منطقي .كما شدد الفيلسوف على أهمية تجنب وهمين شديدين: أن ننصت دوما، أو أن لا ننصت أبدا، إلى إملاءات الرأي السائد.
القاعدة الثانية : ما تخاله يحقق لك السعادة في الحقيقه لا يفعل!
وفي الحقيقة نقصد فيما تخاله يحقق لك السعادة ولا يفعل هو بالمال تحديداً بالإضافة إلى العديد من الأمر الثانوية الأخرى. فبالنسبة لمعظم الناس، كانت السعادة هي لائحة ممتلكات كمنازل كبيرة وسيارات فخمة وملابس واسعة… بينما في الحقيقة لا تجلب هذه اللائحة السعادة لدى تحققها في حال عدم توفر عناصر أساسية للسعادة. فاعتبر الفيلسوف أبيقور (341قبل الميلاد- 270 قبل الميلاد) بأن هذه العناصر تتمثل بالصداقة ، الحرية و الاستقلالية المالية وذلك تمثل بنظره وجود حديقة لزراعة طعام الفرد وتلبية حاجاته الأساسية دون الحاجة إلى العمل في مجالات التجارة أو السياسة . بالإضافة إلى التفكير فاعتبر أبيقور بأنه “عند تدوين مشكلة أو طرحها في حديث، ستتمكن من إزالة سكانها التفاقمية الثانوية: أي الاضطراب، والانعزال، والمفاجأة، إن لم نتمكن من إزالة المشكلة بذاتها. ” وهكذا كان لأبيقور ثلاث أنواع من الرغبات، أولها طبيعية ولازمة، ثانيها طبيعية وغير لازمة، وثالثها ليست طبيعية ولا لازمة. فضمن الفئة الأولى ذكر الأصدقاء ، الحرية، التفكير والطعام ، الملجأ، الملابس. أما في الفئة الثانية ذكر المنزل الكبير، الولائم، الخدم… وأخيرا كان في الفئة الثالثة الشهرة والسلطة. وهنا يجدر بالذكر بأن أبيقور لم يشجع على حتمية البقاء في الطبقة المتوسطة وعدم السعي إلى المزيد ولكنه أكد بأن هذا المزيد لن يجعلك سعيدا ما إذا العناصر الأساسية للسعادة غير متوفرة.
القاعدة الثالثة: أفضل ما يمكن فعله عند الشعور بالإحباط هو محاولة فهمه وتحمله.
بعد المعاناة الشديد من الإحباط في حياته حتى آخر إيامها، أصبح لدى الفيلسوف الروماني سينيكا (4قبل الميلاد-65م) نظرة استثنائية عن كيفية التعامل مع الإحباط في حياتنا. بحيث بدأ معتبرا بأن البنية الأساسية في قلب كل إحباط هو :”تعارض أمنية مع واقع قاس”. وبعد “اكتشاف أن مصادر إرضائنا تكمن خارج نطاق سيطرتنا، وأن العالم لا يتكيف مع رغباتنا،” ووجد بأن تحمل الإحباطات ومحاولة فهمها واستيعابها هو أفضل ما يمكن فعله بدلا من ردود فعل مبالغة من نوبات الغضب، رثاء الذات، القلق، السخرية المريرة، والبارانويا.كذلك شدد سينيكا على أن الإنسان الحكيم يدري متى يتقبل الإحباطات ومتى لا يفعل. فلو تقبلت البشرية جميع الإحباطات التي تعرضت لها، لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه الآن من التطور الفكري الثقافي، التكنولوجي وغيره… فسؤال “هل يجب أن يكون الأمر بهذا الشكل؟” له جوابين أحدهما يستدعي لتغيير الواقع والآخر لتقبله.
القاعدة الرابعة: سر الحياة البسيطة والحكيمة تكمن في تقبل الذات واحتضان نواقصها.
ركز الفيلسوف مونتين (1533-1592)في فلسفته على تقبل الذات والتعامل مع نقص الكمال الشخصي كجزء طبيعي من الحياة البشرية. فيرى مونتين أن الحكمة تكمن في الاعتراف بنواقصنا وتقدير حياتنا بكل ما فيها من عدم اليقين والتعقيد. وكانت لامثالياتنا بالنسبة لمونتين تصنف كجسدية فيسيولوجية، ثقافية وفكرية. فدعانا أولا للإعتراف بأهمية الجسد تماما كأهمية الروح والتعايش مع جميع احتياجاته دون خجل. كذلك شدد على تقبل كافة أنماط الحياة وممارسيها في الثقافات الأخرى وألا نتصرف بعدوانية تجاههم لكونهم ببساطة “غريبين” عن ثقافتنا . أخيرا عارض مفهوم الذكاء في عالمنا المقتصر على المعرفة الأكاديمية بل عرف الذكاء بأنه الحكمة التي نستطيع من خلالها الإجابة بأنفسنا على أسئلة الحياة الغامضة وتجاربها حتى في حياتنا اليومية.
القاعدة الخامسة : التخفيف من التوقعات هو الطريق لتجنب المعاناة والعيش بسلام.
كان الفيلسوف شوبنهاور (1788-1860) نظرة فريدة للحياة معتبرا بأنها بلا “قيمة جوهرية أصيلة” وبأنها”تستمر بفعل الرغبة والوهم”. وهكذا كان يعزي الناس لانكسارات قلوبهم بفعل الحب يوصف الأخير إنه ليس سوى حيلة من قبل إرادة الحياة المهووسة بالتناسل والتي تسيطر على العقل الواعي للإنسان. معتقدا بأن شركائنا هم الناس الذين يخلقون معنا “الطفل المثالي” معدلين عيوبنا . وأن انكسارات القلب تحدث ببساطة لأن أحببابنا لم يكونوا “الملائمين” لنا لصنع الطفل المثالي فشخصياتنا ليست منفرة ووجوهنا ليست بغيضة. وبالرغم من أن هذه النظرية تبدو غير منطقية أحيانا ولكن شوبنهاور وجد بأنه من المريح وتصديقها وإلقاء اللوم عليها بدلا من المعاناة بسبب انكسارات القلب. كذلك أرادنا ألا نفاجأ بالبؤس وألا نبحث عن مغزى من حياتنا. ولكن لم يكن شوبنهاور يقصد دفعنا إلى اليأس بل تحريرنا من التوقعات التي تفضي إلى المرارة.
القاعدة السادسة: لا يكون كل ما يشعرنا بالتحسن جيدا لنا بالضرورة كما لا يكون كل ما يؤذينا سيئا.
على عكس من سبقه من الفلاسفة وجد الفيلسوف الألماني نيتشه (1844-1900)بأن تجنب المعاناة ومحاولة تقليلها وما يصاحبها من مشاعر البؤس، القلق، واليأس، والغضب، وازدراء الذات والأسى بغية الحصول على السعادة هو فعل جبان وغبي وخاطئ. فنصح نيتشه بمناشدة التعاسة معتبرا إياها والسعادة مرتبطتين معا كذلك الألم واللذة. لذلك إن أردنا تقليص مستوى الألم البشري يتوجب علينا أيضا تقليص قدرة البشر على تحقيق السعادة.كذلك لاحظ أنه عند مواجهة معاناة ما، هناك خيارين يمكن للإنسان أخذهما أولا يمكنه الاستسلام لهذه المعاناة وثانياً يمكنه تحويلها إلى إنجاز عظيم، إلى ما هو جميل. وهكذا كل ما كثرت معاناتنا وآلامنا كانت إنجازاتنا أكثر. لذلك كان نيتشه يزدري كل ما يلجأ إليه الإنسان “للتقليل” من معاناته كالشراب والخنوع المختبئ وراء عبارات الطيبة والطاعة والتسامح … ودعانا من خلال فلسفته لخوض رحلة صعبة بتسلق جبل الحياة الشاهق حيث ستكون الطريق خطرة والأوكسيجين شحيح .ولكن عندما نصل إلى القمة فقط، نستطيع أن نرى المنظر والرؤية الكاملة.
وها قد وصلنا إلى نهاية المقال شكرا لكم على القراءة. أتمنى أن تكون هذه القواعد الفلسفية المهمة قد نالت إهجابكم. أكتبوا لنا في التعليقات ما هي نصيحتكم المفضلة.
لمعرفة المزيد عن كتاب عزاءات الفلسفة للكاتب آلان دوبوتون:
https://www.goodreads.com/ar/book/show/27872336
إقرأ المزيد:
اترك تعليقاً